المثل العربي يقول: "لكل فرعون موسى"، وهي القاعدة الوهمية التي حاول الكثيرون الاتكاء عليها، إما بانتظار معجزة إلهية في عصور بلا معجزات، أو بإعطاء العصمة لرجالات سياسة ودين ومجتمع ليمكّنوهم من القضاء على الطواغيت الذين كادوا أن يقولوا لشعوبهم "أنا ربكم الأعلى".. بل إنهم قالوها بأفعالهم.
- فكانت السنوات والعقود تمضي والشعوب في انتظار معارض يُقلب الطاولة على الديكتاتور، أو رجل دين يطبّق القليل من الإيثار والجهاد الذي يدعو الناس إليه وينوء هو عنه بجانبه، ولأن زمن الأنبياء والمعجزات قد ولّى، ولأن زمن الفراعنة لا يوليّ، فإن الشعوب فهمت أنها هي وحدها من تتصدى لفرعون الزمان، فقام التونسيون البسطاء وحدهم بثورتهم، فقادوا القطار وحدهم، وبلغوا به محطة الأمان وحدهم، وبعد وصولهم حاول أن ينضم إليهم رجالات سياسة ودين وثقافة، كانوا قد هجروا البلاد في زمن النار، حيث تمتعوا في أوربا والخليج العربي بـ"حلاوة" اللجوء السياسي، وتركوا الشعب وحده يتعذب بأوجاع حمل الثورة، ووحده يضع مولود الثورة، ووحده يلد المعجزة التونسية..
- ومؤسف فعلا أن ينطق داعية بحجم عمرو خالد الذي كان يقول إنه من صنّاع الحياة، ويقول إنه جرّ مليون شاب إلى منتدياته الخيرية والعلمية، بعد أن نطق خمس وثمانون مليون مصري، ومؤسف أن يقول صاحب جائزة نوبل أحمد الزويل بعد أن قال أطفال وشيوخ ونساء مصر وبعد أن قال الرصاص كلمة الموت في صدور الثائرين، ومؤسف أن يتابع فنانو مصر الذين احترمهم الناس ورفعوهم إلى أعلى الدرجات وملؤوا مسارحنا تمثيلا ما يحدث أمامهم كمشاهدين، ولا ينضمّ القلة منهم إلى الإخراج والتمثيل إلا بعد نزلت ستارة المسرح..
- هذه السيناريوهات تتكرر الآن في الجزائر بعد أن خلت الساحة نهائيا من الذين يفكرون في الوطن، وحتى الخرجات الأخيرة لم تكن أكثر من تهريج ييُبك أكثر مما يضحك، والمشكلة في الجزائر أن الذين غلّطوا السلطة في حقيقة الشعب غلّطوا أيضا المعارضة التي بعضها يعيش بين أحضان فرنسا والبقية بين أحضان السلطة، بينما اكتوى الشعب وحده بالإرهاب وبالفقر وباليأس.. والذين فتحوا الآن آذانهم ليسمعوا أنينه هم الذين صنعوا هذا الأنين، والذين يدّعون بأنهم سيشفونه من أنينه، هم الذين هربوا بعيدا عن أنينه.. في اليمن في الأردن في كل بلاد العرب والإسلام، تتكرر ذات المشاهد فقد قلنا دائما إن لكل موسى فرعون، لكننا الآن يجب الاعتراف بأن زمن موسى كان أرحم، حيث كان موسى وهارون عليهما السلام في مواجهة فرعون وهامان، والآن في غياب زمن الأنبياء بقي فراعين وهامانات كُثر، ولم يبق من حل سوى شعب يريد الحياة ويريد لليل الطويل جدا أن ينجلي وللقيد الحديدي أن ينكسر؟
Aucun commentaire:
Enregistrer un commentaire