هل بدأت الأوضاع في تونس تتجه نحو التعفن واتخاذ مسالك أخرى ملتوية غير تلك التي رسمها الشعب التونسي لثورته الصغيرة، وهل بدا ترحيل هذه الثورة إلى تحقيق أهداف أخرى غير تلك التي نهض من أجلها الشعب، أهداف تصب حسب الظاهر في العودة إلى تركيب النظام السابق بعد أن تمكن الشعب من تفكيك أجزاء كبيرة منه؟ .
- السؤال بدأ يطرح بثبات، وإن بتحفظ، في بعض الأوساط المتتبعة والمهتمة بالوضع السائد هذه الأيام في تونس وذلك انطلاقا مما يحدث على المستوى السياسي والأمني سواء الداخلي أو الخارجي .
- فبالنسبة لمعالجة الأزمة على المستوى السياسي الداخلي بات واضحا أن الحكومة المؤقتة برئاسة محمد الغنوشي تلعب على التماطل وربح الوقت واستثمار الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية التي أصبحت في ترد مستمر من أجل إضعاف الانتفاضة وخنق أنفاسها شيئا فشيئا، والانقلاب على المطالب الشعبية الأساسية المتمثلة في التغيير السياسي الجذري الذي لا تقبله بقايا النظام ومنه رئيس الجمهورية ورئيس الحكومة الانتقالية اللذان يعملان على خلق لجان وتعيين وزراء كثيرين من بقايا المسؤولين السابقين وأعضاء حزب التجمع الدستوري قصد الالتفاف على الانتفاضة، فيما يتكفل التلفزيون العمومي الأحادي وقناة "نسمة" المشبوهة الانتماء بممارسة التعتيم والتضليل على الرأي العام التونسي والعربي لتبرير ذمة بعض بقايا بن علي الذين أكلوا من فتات موائدهم وإعادتهم إلى الواجهة..
- وعلى المستوى السياسي الدولي فإن فرنسا وحكومة ساركوزي التي ضيعت فرصة التدخل البوليسي المباشر لقمع الثورة في الشوارع - كما طالبت به وزيرة الشؤون الخارجية الفرنسية علنا امام البرلمان الفرنسي بعد أيام من اندلاع الاحتجاجات - تعمل اليوم على تدارك ما فاتها من خلال الضغط الممارس على رئيس الجمهورية المؤقت فؤاد لمبزع ورئيس الحكومة محمد الغنوشي باعتبارهما من أبرز رجالات فرنسا في تونس أو من أبرز رعاة المصالح الفرنسية السياسية والاقتصادية والثقافية في هذا البلد، في حين تقف الولايات المتحدة الأمريكية موقفا متذبذبا بين الالتزام بمساندة عملية التغيير حسب ما يطالب به الشارع التونسي أو حتى في إطار سياسة "الفوضى الخلاقة" التي تنتهجها أمريكا في المنطقة من اجل عالم عربي جديد مستتب لاسرائيل والمصالح الأمريكية، وبين مراعاة المواقف والمصالح الفرنسية الحيوية والأساسية في تونس.
- من جهة أخرى، تبدو مواقف الدول والأنظمة العربية كلها منسجمة باتجاه مساندة بقايا نظام بن علي وحزب التجمع الدستوري من أجل البقاء في الحكم والسطو على الانتفاضة وآمال الشعب التونسي في التحرر والانعتاق من بقايا بن علي وحزبه -والسكوت علامة الرضا- إلى مساند دون تحفظ إلى مستقبل على أرضه لبن علي وعائلته، وما تحمله من أموال وثروات الشعب التونسي. الجميع بما فيهم جامعة الدول العربية لا همّ لهم سوى عودة تونس الى ما كانت عليه قبل شهر وهذا ما حدث في القمة الاقتصادية العربية التي جرت في شرم الشيخ المصرية تحت أعين الموساد الذي يثبت من يوم لآخر أن له يدا طولى في محاولات جر تونس إلى الفوضى عبر المساهمة مع فلول حرس الرئيس المطرود في إطلاق النار على المتظاهرين .
- ثم انه ليس من المنطق ولا من المعقول أن يقف أي نظام عربي من المحيط إلى الخليج الى جانب انتفاضة الشعب التونسي، وهي المرشحة لأن تكون قاطرة تقود بقية الشعوب العربية المقهورة الى ثورات التحرر والإنعتاق من نير الأنظمة العربية.
- ولعل أكبر خدعة تعرضت لها ثورة الشعب التونسي هي اللعب على حبل الشرعية الدستورية والشغور في السلطة واستغلال مواد الدستور عبر الدعاية والتضليل لترتيب أمور إعادة النظام إلى مكانه.. فالرئيس بن علي لم يمت ولم تواجهه مشاكل صحية تعجزه عن أداء مهامه، ولم يقدم استقالته.. بل هو مطرود من الحكم من طرف الشعب وهارب الى الخارج، وكان يجب بالتالي وبكل بساطة القيام بتشكيل حكومة انتقالية بعيدة عن تدخل بقايا النظام كما يجري اليوم، تهيئ لتنظيم انتخابات تشريعية وإعداد دستور جديد، ثم تنظيم الانتخاب الرئاسية.. لكن بدل نلك يقوم حزب الدستور نفسه وعدد من أعضائه البارزين بالتصرف السياسي في كل شيء وكأنه حزب سياسي عادي يقيل صاحبه بن علي ويتلقى استقالات أعضاء الحكومة التي شكلها ورئيس الجمهورية الذي نصبه فيما هو عبارة عن جهاز قمع من عديد الأجهزة القمعية الأخرى التي نصبها النظام بن علي.
- فهل ينجح الشعب التونسي في الاستمرار في صد المؤامرة المحاكة في الداخل والخارج ضد ثورته، أم أن الضحك على الذقون هو الذي سينجح، خاصة وأن أبواب التضامن الشعبي معه كلها موصدة من طرف الأنظمة العربية وعلى رأسها باب الانترنت الذي منه دخل الشعب التونسي إلى عالم جديد؟ .
Aucun commentaire:
Enregistrer un commentaire