lundi 21 février 2011

أنهار‭ ‬البترول‭ ‬كانت‭ ‬كفيلة‭ ‬بتحويل‭ ‬كل‭ ‬ليبي‭ ‬إلى‭ ‬ملياردير

لقذافي‭ ‬شيد‭ ‬النهر‭ ‬الصناعي‭ ‬العظيم‭ ‬محاكاة‭ ‬لنيل‭ ‬مصر

عندما أطلق العقيد القذافي ثورة الفاتح في 1 سبتمبر 1969 وعمره 27 سنة أحضر خبيرا سوفياتيا قلما وورقة وراح يقسم ثروة النفط الكبيرة على عدد السكان القليل فاستنتج معادلة بسيطة تقول بعد عشرين سنة سيصبح كل ليبي مليونيرا كان ذلك بمنطق الثمانينات.. وعاد الرجل بعد عشرين سنة وأخذ ورقة وقلما وراح يحسب الثروة المهدورة على السلاح والإيديولوجيات الثورية والحركات التحررية وعلى عدد سكان ليببا القليل وخرج بخلاصة واحدة تقول بعد عشرين سنة لم يصبح كل ليبي مليونيرا. كثيرون يقولون أن للعقيد معمر القذافي مشكلة نفسية خطيرة هي إحساسه بأنه يحكم بلدا صغيرا رغم أحلامه السياسية الكبيرة، تارة يحسد مصر في نيلها، وتارة يهدد بغزو تونس التي نجحت اقتصاديا بموارد طبيعية تقترب من الصفر. مرة قال للسادات "آه يا ليت لي نهرا مثل نهر النيل في ليبيا"، فرد عليه السادات "آه يا ليت لي أنهار النفط التي عندك في مصر، خذ النيل وأعطني أنهار البترول". والحادثة التي يرويها محمد حسنين هيكل جعلت الإعلامي والمفكر الصحفي المصري الكبير يطلق عليه لقب المهر العربي الشارد، فهو يتميز بطيبة ممزوجة بسذاجة البدوي العربي المندفع في الصحراء دون حساب للحدود والموانع الطبيعية والعواقب غير الطبيعية مرة، وحينما كان قائدا مسؤولا عن قطع حربية مصرية رابضة بخليج سرت فكر في إعطاء أمر عسكري لقائد فرقاطة مصرية لمهاجمة سفينة إسرائيلية كانت تعبر البحر الأبيض المتوسط للانتهاء من مشكلة الصراع العربي الإسرائيلي مرة واحدة بعد ما انتهى إلى علمه أن جل ركاب اليخت هم سياح مشكلون من نخبة القادة السياسيين والعسكريين في الكيان العبري، لكن قائد الفرقاطة المصري المذهول بالأمر العسكري الغريب اتصل بمقر قيادته العسكرية التي اتصلت فورا بالسادات فارتعد الرجل في فراشه وقفز من سريره تفاديا للحظة جنون تمهد لسيناريو أزمة عالمية لا تبقي ولا تذر من تداعيات سياسية ودبلوماسية وعسكرية لهجوم يستهدف رحلة سياحية بطريقة أقرب للقرصنة العسكرية من الملحمة التاريخية، فتلقى ضابط الفرقاطة المصرية أمر التظاهر بتنفيذ مطلب المهر العربي الشارد، ثم التعريج بحرا من المياه الدولية للعودة‭ ‬رأسا‭ ‬إلى‭ ‬ميناء‭ ‬الإسكندرية‭.‬
  • لهذا‭ ‬السبب‭ ‬بنى‭ ‬القذافي‭ ‬النهر‭ ‬الصناعي
  • للعقيد الليبي تخيلات بأوهام القوة جعلته يقلد الزعيم جمال عبد الناصر في اللكنة ونبرة الخطاب ويحلم بدور تاريخي أكبر يتجاوز القدرات البشرية والجغرافية والإستراتيجية لبلد صغير مثل ليبيا، لذلك شيد النهر الصناعي العظيم في محاكاة لنهر النيل وأطلق على نفسه الزعيم المفكر، خاطا بيده النظرية الجماهيرية العالمية في الكتاب الأخضر، وهو خليط إيديولوجي لأفكار إيديولوجية تبشر بحكم الجماهير واللجان الشعبية المؤدلجة دون التفكير في بناء أفكار حزبية ونخبة مدنية وسيطة مسحت تماما من مجتمع تكرست فيه العادات القبلية وعكس جاره بورقيبة الذي حول غبارا متناثرا لقبائل تونسية متشرذمة إلى مجتمع مدني حديث وعصري، حول العقيد المجتمع المدني الليبي الوليد المتبقي من عهد الملك المخلوع السنوسي المنحدر من أصول جزائرية إلى قبائل متناثرة سيطر فيها المجتمع البدوي على مفاصل المجتمع السفلي الليبي بخليط من الإحساس بالعظمة الوطنية التي لا تقابلها تنمية حقيقية بعد ما ذهب الريع النفطي لقضايا السلاح والقضايا التحررية شرقا وغربا، شمالا وجنوبا، وإلى الحركات الإفريقية، حيث كان الهم الشخصي الوحيد للعقيد الوصول إلى مرتبة الزعامة العالمية فأطلق على دولته اسم الجماهيرية العظمى بعد العدوان الأمريكي سنة 1986 الذي جابهه بيافطة عملاقة في خليج سيرت مكتوب عليه (نحن بانتظاركم والأسماك)، وعندما أحس بضيق الآفاق العربية انزلق إلى عمق الزنوجة الإفريقية فلقب نفسه ملك ملوك إفريقيا مقابل منح وعطايا مالية كبيرة.
  •  مساءلة‭ ‬حادة‭ ‬بسبب‭ ‬عدم‭ ‬تقدير‭ ‬الكلب‭ ‬الليبي
  • لم يستثن إحساسه بالعظمة التاريخية الزائدة رغم محدودية البلد الذي يحكمه جغرافيا واستراتيجيا وبشريا من نقل إحساس الوهم بالقوة إلى الحيوانات، حيث يروى عنه أنه تفقد معرضا دوليا مخصصا للكلاب بليبيا وخرج منزعجا بعد ما طاف على أروقة الكلاب الألمانية والبوليسية، أمر‭ ‬بإحضار‭ ‬المشرف‭ ‬على‭ ‬المعرض‭ ‬الدولي‭ ‬للكلاب‭ ‬ونهره‭ ‬بقوله‭ ‬وأين‭ ‬هو‭ ‬الكلب‭ ‬الليبي،‭ ‬أليس‭ ‬له‭ ‬مكانة‭ ‬فوق‭ ‬الأرض‭ ‬وتحت‭ ‬الشمس‭..‬‮ ‬إذا‭ ‬لم‭ ‬تخصص‭ ‬للكلب‭ ‬الليبي‭ ‬جناحا‭ ‬خاصا‭ ‬به‭ ‬سأقيلك‭ ‬من‭ ‬منصبك‭. ‬
  • بعد 42 سنة من حكم العقيد بلا دستور وبلا أحزاب وبلا نخب وسيطة، تحولت اللجان الشعبية إلى ديكتاتورية سفلية قبلية، قتلت روح المعنى في المجتمع الليبي الذي ثبتته إيديولوجيا الأخ العقيد في زمن السبعينيات دونما عبور حقيقي للألفية الثالثة فانتشرت ظاهرة الرشوة بشكل طاغ لم تستثن بيع السلع المدعمة للجاليات الأجنبية ولا الإتجار الفاضح في السكنات الاجتماعية التي تحولت قبل أسابيع من ثورة بنغازي إلى مجال اقتتال بين الليبيين المالكين غير المحتاجين والمحتاجين غير المالكين في واقع اجتماعي يؤكد انه رغم ثروة النفط العظيمة وعدد السكان‭ ‬البسيط‭ ‬تحتل‭ ‬معدلات‭ ‬البطالة‭ ‬نسبا‭ ‬عالية‭ ‬بين‭ ‬بلدان‭ ‬المغرب‭ ‬العربي‭ ‬مع‭ ‬نسب‭ ‬متواضعة‭ ‬في‭ ‬مجال‭ ‬التعليم‭.‬
  • بعد 42 سنة يواجه العقيد نتاج وركام ثورة جماهيرية فشلت في بناء تنمية بشرية واقتصادية حقيقية، حيث كان ممكنا لليبيا أن تصبح بيسر إمارات شمال إفريقيا، لكن عندما يتحول حكم الفرد الواحد إلى نظام عائلي يلعب فيه أبناء العقيد في ملعب الإعلام والإسلام والرياضة دون رقيب أو حسيب لدرجة أن أحدهم انتدب مارادونا ليصنع منه لاعبا كبيرا دون جدوى وتتحول كل مقدرات البلاد رهينة فلسفة بناء أوهام شخصية بالقوة والزعامة والفخر الوطني العنيف والجارح دون تنمية اقتصادية حقيقية فإن البلاد تتجه إلى سيناريوهات بركانية متفجرة بمنطق الثورة ذات الشعار الوحيد الذي وزعه العقيد على شعبه عدلا وقسطاسا أربعين سنة كاملة رغم ثروات طائلة قام نجله بتوزيعها على مختلف القبائل الليبية قبل أسابيع قليلة في محاولة لإخماد دخان نار ثورة جماهيرية متصاعدة.. بل أن الجماهيرية مهددة ليس فقط بحرب أهلية، بل بحرب جماهيرية ومجازر جماهيرية، فليس في البلاد أحزاب ولا جمعيات أهلية قوية، ولا إعلام حر، ولا أجهزة دولة يمكن أن تكون في مرتبة وسيطة بين زعيم يرفض أن يكون رئيسا، بل بين زعيم ثورة في مواجهة شعب ثورة، وعندما تلتقي الثورة مع الثورة فمن المتوقع أن يتحول السطح الليبي إلى‭ ‬أنهار‭ ‬عظيمة‭ ‬من‭ ‬الدماء‭ ‬فوق‭ ‬أنهار‭ ‬نفط‭ ‬كبيرة‭ ‬في‭ ‬الجوف‭.‬
  • إن ليبيا هي البلد الوحيد الذي يقرأ من الجهتين، لكن مخاطر الصراع الحالي تجعل من هذا البلد مسرحا لحرب عنيفة لا يحسمها سوى إبادة طرف لطرف، فالعقيد صنع نظاما يعيش خارج العصر و لشعب الليبي يريد الدخول إلى العصر الذي بقي يتفرج في متغيراته وحدوده وآفاقه طوال نصف قرن‭ ‬لم‭ ‬تصبح‭ ‬ليبيا‭ ‬إمارات‭ ‬المغرب‭ ‬العربي‭ ‬وشمال‭ ‬إفريقيا،‭ ‬ولم‭ ‬تصبح‭ ‬طرابلس‭ ‬دبي،‭ ‬ولم‭ ‬يصبح‭ ‬كل‭ ‬ليبي‭ ‬مليارديرا‭ ‬فحسب،‭ ‬بل‭ ‬لم‭ ‬يصبح‭ ‬كل‭ ‬ليبي‭ ‬مليونيرا‭. ‬

Aucun commentaire: